ثم قالوا من جهة النظر العقلي: إن توبة من قتل المؤمن عمداً متعذرة؛ لأنه لا سبيل إليها إلا بأن يستحل من المقتول أو بإعادة نفسه التي فوتها عليه إلى جسده؛ إذ التوبة هنا من حق آدمي، ولا تصح أي توبة من حق آدمي إلا بأحد هذين الأمرين، وكلاهما متعذر على القاتل، فهو لا يستطيع أن يستحله، ولا يستطيع أن يعيد نفسه إليه. قالوا: ولا يرد على هذا مسألة المال إذا مات ربه ولم يوفه إياه؛ لأنه يتمكن من إيصال مثله إليه عن طريق الصدقة، أما النفس فكيف يمكن أن يردها؟! قالوا: ولا يرد على هذا -أيضاً- أن الشرك أعظم من القتل وتصح التوبة منه؛ لأن ذلك محض حق الله، فالتوبة من الشرك توبة من حق الله تعالى المحض، فيقبلها الله تعالى متى ما وقعت، أما في حق الآدمي فالتوبة موقوفة على أدائه إليه أو استحلاله منه، وكلاهما متعذر.فانظر كيف عظم الله هذا الشأن! وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
ابن مسعود أنه قال: (
أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء )، ولو كان المقتول ابنك، كما قال تعالى: ((
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ))[الأنعام:151]، وقال تعالى: ((
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ))[الإسراء:31]، وقرن تعالى القتل بالشرك في غير ما آية، وجعله تعالى من أكبر الكبائر، وهو الذي استحله كثير من الناس فقتلوا شعوباً وقتلوا دعاة وقتلوا شباباً صالحين في كل مكان، وما أكثر جرائم القتل في الدنيا! ولاشك في أن من علامات الساعة أن يكثر الهرج -والهرج هو القتل- حتى لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل! وهذا من الواقع، فنسأل الله أن يرحمنا ويرحم هذه الأمة، فهذا ذنب عظيم بلا ريب.